لم تكن في الفم… بل في الذاكرة.
شيء ما استيقظ حين شممت القهوة لأول مرة، وكأنك عدت لمكان لم تزرْه من قبل.
الرائحة لا تُرى، لا تُلمس، ولا تُصوّر…
لكنها تحرّك فيك ما لا يستطيع أي مشهد أو حوار أن يفعله.
حين خرجت أول رائحة من المحمصة…
لم تكن لتخبرك بدرجة التحميص أو نوع البن،
بل لتقول لك شيئًا داخليًا: تذكّرت؟
أحيانًا تمر من أمام كوب قهوة…
وتقف. لا لأنك تريد أن تشرب،
بل لأن أنفك سبقك إلى ذكرى نسيتها.
رائحة القهوة الأولى، ليست وصفًا طعميًا…
بل هو مفتاح غامض يُفتح كلما كنت قريبًا من شيء يخصّك أنت وحدك.
لهذا نقول: القهوة تُشرب بعد أن تُشم.
ولعلنا لا نشربها في الحقيقة…
بل نستنشق ما فقدناه، وما كنّا نظن أنه لن يعود.
فحين تقترب من الكيس… قبل أن تفتحه،
تأمل لحظة الرائحة الأولى:
ربما لا تقول لك "اشربني"
بل: أنا رجعت لك… تتذكّر؟
— من سلسلة "من قلب المزارع… إلى يدك"
من عالم حمصة بن